الاعجاز (المفهوم والمنهج)

                   

أ. عبد القادر جعيد

مركز البحث في العلوم الاسلامية والحضارة – الأغواط

                  

تمهيد: إن الذي يجرأ على البحث في موضوع الاعجاز في القرآن والسنة النبوية كالذي غاص في أعماق المحيط، كلما أعتقد أنه وصل إلى قعره صُدم بأنّه في نقطة البداية، أو كالسابح في الفضاء كلما رمى طرفه عاد خاسئا و هو حسير . ولهذا قال العلامة الطاهر بن عاشور: "لم أر غرضا تناضلت له سهام الافهام. ولا غاية تسابقت إليها جياد الهمم فرجعت دونها حسرى .واقتنعت بما بلغته من صُبابةٍ نزرا. مثل الخوض في وجوه إعجاز القرآن"[i] ، غير أنه لم يزل شغل الكثير من الدارسين، كل حسب اختصاصه والجميع عقد العزم لولوج هذا الباب لنيل أحد الأجرين. وشاء الله تعالى أن يخصّنا بهذا السهم. لعلّنا نظفر بشيء من ذلك. وقد جاء  البحث في محورين هما:

                          

المحور الاول: مفهوم الاعجاز

المحور الثاني :منهجية الدراسة في الاعجاز.

                        

أولا: مفهوم الاعجاز:

لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة مصطلح الاعجاز أو لفظة معجزة إلاّ في وقت متأخر بعض الشيء، في أواخر القرن الثاني الهجري وبداية القرن الثالث. غير أن القرآن الكريم استعمل مجموعة من الالفاظ ليست مرادفة (للفظة معجزة أو إعجاز)وإنما تدل على جزء من معناها الذي يشمل أكثر من معنى جزئيّ واحد. وهذا الجزء يقابل كلمة دليل أو حجّة [ii].

الآية: يقول تعالى﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾.الانعام109

البرهان:﴿ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ﴾.القصص 32

السلطان:قال عزّ وجل: ﴿تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآِؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ابراهيم10.

البيّنة: قال تبارك وتعالى:﴿قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اَللهِ لَكُمْ ءَايَةًالاعراف73.

                      

التعريف اللغوي: مادة(ع-ج-ز)  .الشائع في الاستعمال من هذه المادة أصلان ،الاصل الاول (عجز) والعجز: مؤخَّر الشيء ،والعجز الضعف[iii]، قال الراغب الاصفهاني: أصل العجز التأخر عن الشيء وحصوله عند عجز الامر، أي مؤخَّره، وصار في التعارف اسما للقصور عن فعل الشيء، وهو ضد القدرة[iv].

و يقال  :عجز يعجز عجزا فهو عاجز؛ أي ضعيف. ويقال :أعجزني فلان، إذا عجزت عن طلبه وادراكه[v]وقال ابن منظور: العجز نقيض الحزم[vi]."وقد وردت مشتقات هذه المادة للدلالة على عدد من المعاني القريبة أو المغايرة قليلا لذلك في ستة وعشرين موضعا من القرآن الكريم بألفاظ(أعجز)، و(معجزين)،و(عجوز)،و(أعجاز)،وتصريفاتها مثل قوله تعالى:

﴿قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾المائدة31.

﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾الانعام134.

﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ﴾الانفال59.

﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾هود72. "[vii]

مادة(ج-ز-ع) الاصل الثاني،والجزع ما يحس به المرء من القلق والاضطراب وضيق الصدر أو عدم الصبر.

وهو قطع امتداد السكون وحالة الطمأنينة والصبر حتى يظهر منه ما يخالف السكون وينقطع حاله الممتد تقديرا، وقد جاء هذا اللفظ في القرآن الكريم مرتين، جاء بصيغة الفعل وذلك في قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ﴾ابراهيم 21.و جاء بصيغة الاسم قال تعالى: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً﴾المعارج20 .وإذا عقدنا عليه وعلى تقاليبه معنى ،وإن تباعد شيء من ذلك  عنه ردّ بلُطف الصنعة والتأويل حصلنا على معنى الضعف المصحوب بالانفعال النفسي والاضطراب .

ولما كان مفهوم الإعجاز لا ينفك عن المعجزة كان لازما علينا  تعريفها لغة واصطلاحا حتى ينجلي الابهام وينكشف اللّثام ويحصل المرام.

                   

تعريف المعجزة لغة: مشتقة من الفعل الرباعي المهموز أعجز، ومصدره إعجاز وهي اسم فاعل لحقته (الهاء)للمبالغة في الخبر كما وقعت المبالغة بالهاء في قولهم علامة وفهامة ونسابة، وقيل: الهاء للنقل من الوصفية  إلى الاسمية نحو ذبيحة حقيقة، نطيحة ،فلفظة حقيقة أصله وصف. وهناك نكتة أخرى فحروفها كلها مجهورة (تصحبها ذبذبة الوترين ) وشديدة (انفجارية)  ماعدا (الزاي )فهي رخوة ولكن لها صفير ومخارجها  من وسط الحلق(ع) وسط اللسان وما يحاذيه من الحنك الاعلى(ج)،و بين طرف اللسان وفوق الثنايا(ز).وكأنّ هذه المعجزة  شديدة الوقع كشدّة صفة حروفها تتغلغل في أعماق النفس ابتداء  ثم تتصعد لتصيب صاحبها بغصة لأنه أضعف ما يكون على مجاراتها .

                    

تعريف المعجزة اصطلاحا:يُعرّف  السيوطي المعجزة بأنّها:(أمر خارق للعادة  مقرونٌ بالتحدِّي  سالم من المعارضة)[viii] ،ونفس التعريف ذهب إليه ابن خلدون حيث يقول:(إن الخوارق( المعجزات )هي أفعال يعجز البشر عن مثلها، فسميت بذلك معجزة، وليست من جنس مقدور العباد، وإنما تقع في غير محل قدرتهم)[ix].ويقول القاضي عبد الجبار الهمذاني (ت215ه):" معنى قولنا في القرآن أنه معجز ؛أنه يتعذر على المتقدمين في الفصاحة فعل مثله، في القدر الذي اختص به"[x]ويقول الشريف الجرجاني" الإعجاز في الكلام هو أن يؤدي المعنى  بطريق هو أبلغ من جميع ما عداه من الطرق. كما قال أيضا: حدّ الاعجاز هو أن يرتقي الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضتهم"[xi].

                  

شروط المعجزة: يذكر القرطبي  في كتابه(الجامع لأحكام القرآن)خمسة شروط لا يصح من دونها لحادث أن يسمى معجزة وهي:

1-الحادث ينبغي أن يكون ممّا لا يستطيعه إلا الله.

2-يجب أن يخرق قوانين الطبيعة.

3-ينبغي أن ينبئ عنه الحكيم قبل أن يقع.

4-يجب أن يكون الحادث الواقع موافقا لما قيل .

5-ألاّ يكون في استطاعة أحد أن يجري مثل هذا الامر.

وبالرجوع إلى مصطلح(الاعجاز)فُهم منه أنّه لفظة مشتقة من إثبات( العجز) وهو الضعف وعدم القدرة"[xii] أمّا(إعجاز القرآن) فهو مركب إضافي ،وقد عرفوه بقولهم إظهار صدق النبي) (T في دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته في معجزته الخالدة -وهي القرآن -وعجز الاجيال بعدهم "[xiii].أمّا الاستاذ محمد علي الصابوني فيعرفه بقوله:" إثبات عجز البشر متفرقين ومجتمعين عن الاتيان بمثله، وليس المقصود من إعجاز القرآن هو تعجيز البشر لذات التعجيز أي تعريفهم بعجزهم عن الاتيان بمثل القرآن، فإنّ ذلك معلوم لدى كل عاقل، وإنما الغرض هو إظهار أنّ هذا الكتاب حق، وأنّ الرسول الذي جاء به رسول صدق، وهكذا سائر الأنبياء الكرام"[xiv].

أما الاستاذ الرافعي فيرى أن الاعجاز شيئان: أحدهما: ضعف القدرة الانسانية في محاولة المعجزة ،مزاولته على شدة الإنسان واتصال عنايته. وثانيهما: استمرار هذا الضعف على تراخي الزمني وتقدمه[xv].

                  

الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر:

لقد سبق وأن عرفنا المعجزة ،والفرق بينها وبين الكرامة ؛أنّ هذه الاخيرة هي فعل الله عزّ وجلّ يكرم به منْ يشاء مِن عباده مثل ما أكرم به سبحانه السيدة مريم البتول رضي الله عنها ،قال تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾آل عمران37،ومن هذا القبيل إكرام فتية الكهف وكثير من الصالحين ومنْ نال هذه الحضوة ليس مكلف بتبليغ الرسالة.أما السحر فهو عمل مشين مُحرم شرعا فليس فيه الاّ الأذى والشر والشحناء وهو قابل للتّعلُم،وصاحبه ملعون وهو من شرار الخلق قال عزّ من قائل: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ﴾ البقرة102.

                 

أنواع المعجزات :

لقد اقتضت حكمة الله تبارك وتعالى أن تكون معجزاته منسجمة مع أحوال البشر الذين ظهرت فيهم،بما يتناسب مع فروقهم الفردية والجماعية وزمانهم ومكانهم،إذْ الغاية من المعجزة تأييد الرسل وقيام الدليل على صحة دعواهم،ولهذا وجدنا العلماء يقسمون المعجزة إلى قسمين:

                

1)المعجزة الحسية :وهي التي تظهر في شكلها المادي المحسوس المشاهد للعيان تعتمد أساسا على خرق ما اعتاد الناس عليه وألفوه،وهي تحيا وتفنى مع صاحبها،وحجة في حق من شهدها ،كما تتناسب مع ما اشتهر ونبغ فيه أقوام المرسلين حتى يكون التحدي دامغا ومثبتا لقدرة الله سبحانه وتعالى .وهذه بعض النماذج عليها.

                     

*معجزة ابراهيم عليه السلام:القاء ابراهيم عليه السلام في النار انتقاما منه لالهتهم  وعلى مشهد منها حتى تباركه ويكون وقعه رهيبا ،وقدّر الله تعالى أن يقذف الخليل عليه السلام في النار والموكب الضال يتباشر بهلاكه ،لكن صار الامر الى ما لا يسرهم قال تعالى:﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾الانبياء 69.

                      

*معجزة موسى عليه السلام:لقد اشتهر قوم موسى بالسحر ونبغوا فيه،فكانت معجزة سيدنا موسى عليه السلام من جنس ما عرف قومه( العصا،اليد البيضاء) قال جلّ من قائل: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾الشعراء32-33.

وتحدّاه قومه وجعلوا يوم الزينة موعدا لذلك،فلما رأى السّحرة ما آلت إليه العصا كانوا أقدر الناس على فهمها فخروا سجدا قال تعالى:﴿ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾الشعراء45-46-47.

                      

*معجزة عيسى عليه السلام: اشتهر قوم نبي الله  المسيح عيسى عليه السلام في ميدان الطب ولقد برعوا فيه فكانت المعجزة مناسبة لهذا،فأبرأ الاكمه والابرص وأحيا الموتى بإذن الله.كما يقول سبحانه على لسان عيسى:﴿ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾آل عمران49.

                            

2)المعجزة العقلية: هي المعجزة التي تخاطب العقل، وتواجهه بكل ما فيه من قُوى الادراك والاستبصار. وهذا النوع من المعجزات لا يقع من الناس موقعا متقاربا، وإنما يلقاه كل انسان بما لديه من إدراك وفهم، والقدرة على التفريق بين الخير و الشر. و معجزة القرآن من هذا النوع. فقد جاءت معجزة خاتم المرسلين "معجزة عقلية فكرية بلاغية، تناسب كون هذه الرسالة جاءت للنَّاس كافَّة ،وإلى الازمان عامّة...مرتكزة أساسا على عقل الانسان، فهو خاصية له وصفة ذاتية فيه، لا تزول ولا تتبدل"[xvi]. قال تعالى:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾الحجر9.

فهي إذا تتوافق مع المرحلة التي وصلت اليها البشرية  (مرحلة البلوغ والنضج) التي تجاوزت كل محسوس و ملموس .وهو حجة على الناس كافّة قال المولى عزّ وجل:﴿  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ سبأ28.

ومن مظاهر الاستعداد النفسي والعقلي في البيئة العربية تمهيدا للرسالة الخالدة، هي تلك الحركة الادبية التي وصلت إلى ذروتها ،كتباري الشعراء والخطباء في الاسواق الادبية، وتعليق نتاجهم الشعري المتميز على باب الكعبة تبركا بها والاشادة  بمْن نبغ منهم ،فلم يكن للعرب غير الكلمة تُلطف أجواءهم وتأسـر ألبابهم وتهيـم بخيالهم و تقطع بهم وهج ورمضاء شبه الجزيرة العربية حتى لا يجدون نداها بين أضلاعهم ،فهي الحِمْلُ الخفيف والسّلوة إذا عزّ الانيس. نعم لقد  أُوحي إلى النبي وقد ملك القوم أعنّة القول البليغ و لهم فيه القدح المعلّى. "ولا ريب في أنّ القرآن أدهش العرب. وذلك لما وجدوا فيه من سحر البلاغة والتأثير في النفوس سواء  المنكرة له أو المؤمنة به. ولهذا حار المشركون في وصفه.. فصاروا  يصدون عنه وينأون عنه، ويصفونه مرة بأنه شعر، ومرة بأنّه سحر، ولم يستطع فصحاؤهم انكار روعته في النفوس وتغلغله في القلوب"[xvii]،وهذا الوليد بن المغيرة يشهد مخيرا غير مكره قائلا:" ووالله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّه لمثمر أعلاه مغدق أسفله، و إنّه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته. نعم يعترف بهذا وهو منْ هو في قومه، ولكنّ عناده وكبره؛ وتحت ضغوط المشركين من قومه دفعه أن يجحد بلسانه ما استقر في وجدانه. وهكذا لاح مفهوم التحدي في أفق صحراء قاحلة إلّا من نور محمد) (T و معجزته  التي أيده الله جلّ شأنه بها والتي قال فيها أبو القاسم ) (T:" ما من نبيّ من الانبياء إلا وأوتيَ من الآيات ما مِثْلُه آمن عليه البشر ..وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحي إلي، فأنا أرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".

                                 

مفهوم التحدي: لقد أنكر كفار قريش على سيدنا محمد) (T  الرسالة واتهموه بالكذب ،ونعتوه بالسحر قال تعالى:﴿ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾المدثر24 ،ووصفوه بالجنون، وقال قائلهم  بأنه شاعر، ولم يكتفوا عند هذا الحد بل تحدّوه على أنهم قادرون على أن يأتوا بمثله لو أرادوا، وجاء الوحي يتحداهم أن يأتوا بكتاب من عند الله قال تعالى:﴿ قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ القصص49.فلما لم يستجيبوا تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله، ثم تدّرج معهم إلى سورة قال سبحانه:     ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾البقرة23.ثم غلق الباب واثبت عجزهم في الحاضر وفي المستقبل قالى تعالى:﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾البقرة24.وهكذا دعوى التحدي ظلت قائمة طيلة نزول الوحي وبعده بل هناك من إدعى النبوة بعد انتقال الحبيب) (T إلى الرفيق الاعلى  كمسيلمة الكذّاب وقد تنبأ باليمامة ومما سُجِل عليه(الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل،له ذنب وبيل،وخرطوم طويل)- (ياضفدع يا بنت ضفدعين نقي ما تنقّين،نصفك في الماء ونصفك في الطين،لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين) ،كلام تمجّه الاسماع وترفضه الاذواق ، ومنهم أيضا طليحة الاسدي ،وسجاح بنت الحارث التميمية ،وعبهلة بن كعب الملقب بالاسود العنسي الذي تنبأ باليمن ،والجميع لم تسعفهم قرائحهم مجاراة القرآن ، فسقطت اقنعة المشركين وأبانت زيف إدعائهم.

ولقد اتفق كل منْ كتبوا في الاعجاز على أنّ القرآن معجزة وأنه دليل النبوَّة،وقد نال هذا الشرف دون غيره من الكتب السماوية،لأنَّ نظمها ليس معجزا وإن كان ما يتضمنه من الاخبار عن الغيوب معجزا،وليس القرآن كذلك لأنه يشاركها في هذه الدلالة ويزيد عليها في أن  نظمه معجز"[xviii].

                             

منهجية الدراسة في الاعجاز:

      ليس المراد من هذا المحور الوقوف على مناهج اللغة كالمنهج الوصفي، والتاريخي الفيلولوجي، والتحليلي والمقارن ،والتقابلي وإنّماالغرض هو الوقوف على طريقة المؤلفين في تحديد وجوه الاعجاز لانّ الاعجاز في ذاته لا خلاف فيه ،والسؤال الذي يطرح نفسه؛ لماذا لم يتكلم في موضوع الاعجاز أحد من علماء السلف كابن عباس أو غيره من العلماء؟، ولعل الجواب هو تهيبهم وحرصهم مِن أن يتكلموا بغير المراد منه، وصونا للقرآن أن يكون غرضا للآراء والأهواء.

                  

1-وجوه الاعجاز عند القدماء  :   لقد بدأت الاشارات الاولى على يد أبي عبيدة(110-209ه)في كتابه (مجاز القرآن)والفراء (ت207ه)في كتابه(معاني القرآن) ولكنّها كانت دراسة لغوية بيانية أكثر منها في الاعجاز غير أنّه حدث شبه اجماع العلماء على أنّ أول من تكلّم في الاعجاز هو  إبراهيم بن سيّار النّظام المعتزلي (ت224ه) شيخ الجاحظ وقال بالصَّرفة(أي بأنَّ الله أفقدهم القدرة على المعارضة أو سلبهم العلوم التي يمكن أن تعينهم على نظم كلام مضارع للقرآن ولولا ذلك لكان في مقدورهم الاتيان بمثله) وقد قال بهذا الرأي بعض من علماء المعتزلة  منهم واصل بن عطاء البصري (ت131ه)،والجاحظ والرماني وابن سنان الخفاجي (ت466ه) وبعض علماء السنة  منهم الامام الماوردي البصري الشافعي(ت450ه) الجويني الشافعي (ت478ه)والغزالي الطوسي الشافعي (ت505ه) والرازي الشافعي (ت606ه) وشمس الدين الاصبهاني الشافعي (ت749ه) والفقيه أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (ت977ه) وابن حزم الظاهري(ت456ه) وابراهيم الانصاري المعروف بابن سراقة المالكي (ت662ه) وابن جزي الكلبي الغرناطي المالكي (ت749ه) وشمس الدين بن سليمان التركي المعروف بابن كمال باشا الحنفي (ت 940ه)أمّا علماء الشيعة فمنهم الشريف المرتضي الكاضمي الشيعي (ت436ه)و نصر الدين الطوسي الشيعي (ت672ه) وتتلخص وجهات نظرهم في ثلاثة اتجاهات هي :

*ذهبوا إلى أن نظم القرآن ليس معجزا وإنما الصرفة هي المعجزة.وهما فريقان :الاول يرى أن الله عزّوجلّ سلبهم القدرة على المعارضة.الثاني:أن الله تعالى صرف قلوبهم وهممهم مع وجود جميع الامكانات لديهم للمعارضة.

*وهؤلاء يعتقدون أنّ نظم القرآن هوالمعجز الاعظم ،ولكنه ليس الوجه الوحيد للإعجاز ومنها الصرفة.

* وقسم ذهب إلى عدد من وجوه البيان والاسلوب والمعاني ،وقالوا أنّ الصرفة وجه ضعيف ولكن لا حرج من القول به على سبيل التنَزُّلِ في الجدل.

وقد أثبت العلماء المخلصون بالحجة والبرهان خطأ هذا الرأي وخروجه عن الجادة[xix].نذكر منهم الخطابي والباقلاني ،والقاضي عبد الجبار (ت415ه) ومنهم الجاحظ رغم أنّه أحد القائلين بها ،حيث ردّ على شيخه قائلا" فكتبت لك كتابا أجهدت فيه نفسي، وبلغت أقصى ما يمكن مثلي في الاحتجاج للقرآن، والرد على الطعان، فلم أدع فيه مسألة لرافضي، ولا لحديثي، ولا لحشوي، ولا لكافر مباد، ولا لمنافق مقموع، ولا لأصحاب النظام، ولمن نجم بعد النظام، ممن يزعم أن القرآن حق ،وليس تأليف بحجة، وأنه تنزيل وليس ببرهان ولا دلالة"[xx].و الشيء  الايجابي في فكرة الصَّرفة أنّها استثارت العقول والوجدان ودفعت بالعلماء إلى البحث  والتنقيب في وجوه الإعجاز ،فاهتدوا إلى بيان أسرار البلاغة في كتاب الله العزيز، فانقلب السحر على الساحر وكان في ثنايا الباطل الحق الابلج، وكما قيل في المثل "رُبَّ ضارة نافعة". وخير ما يرد به على هؤلاء قول الحق تبارك وتعالى:﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾الانعام25.

  • الجاحظ(ت255ه) فألّف و درس موضوع الاعجاز في كتاب مستقل(نظم القرآن) لم يصل الينا، وهو يرى أن الاعجاز كائن في نظمه وتأليفه وانتقد شيخه ،و الصَّرفة عنده ضرب من التدبير الإلهي، والعناية الربانية ،جاءت لمصلحة المسلمين[xxi] ،وبهذا يكون قد مهد الطريق أمام  الخطابي و عبد القاهر الجرجاني في بناء نظرية النظم.
  • ابراهيم الخطابي(ت388ه) ألف رسالته(بيان إعجاز القرآن) وملخص رأيه" واعلم أنّ القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الالفاظ، في أحسن نظوم التأليف، مضمنا أصح المعاني " [xxii] كما التفت إلى الاثر الذي يتركه سماع القرآن الكريم في النفس ،وجعله أحد وجوه الاعجاز. ويلاحظ على الخطابي أنه رفض القول بالصَّرفة، و كذا ما يتضمنه القرآن من الأخبار عن الكوائن في مستقبل الزمان .
  • علي بن عيسى الرماني(ت386ه) ذكر في رسالته(النّكت في إعجاز القرآن) سبع أوجه للإعجاز  هي: * ترك المعارضة مع تـــوفر الدواعي وشدة الحاجة.

*التحدي للكافة.        

*الصَّرفة وهي عنده على وجهين،" منع داخلي ذاتي كائن في تركيب كل الانسان ،ومنع خارجي بفعل الله تعالى حيث صرفهم عن المعارضة وإن لم يكن في مقدورهم"[xxiii].

*البلاغة(أعلى -وسطى- أدنى)

 *الاخبار الصادقة المستقبلية.

*نقض العادة.

*وقياسه بكل معجزة. واختار البلاغة وأسهب في شرحها وجعلها ثلاث طبقات ،العليا هي بلاغة القرآن، ثم قسم البلاغة الى عشرة أقسام. والمأخذ الذي أخذه العلماء على الرّماني هو جعله الصَّرفة أحد وجوه الاعجاز؛ لانّ هذا يتناقض مع الوجه البلاغي الذي اعتمده.

  • أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني(ت403ه) متكلم أشعري، وفي كتابه(إعجاز القرآن) يذكر ثلاثة أوجه كالاتي:

     *الاخبار عن الغيوب.  *قصص الاولين وأخبار الماضين.

     *أنّه بديع النظم، عجيب التأليف، متناه في البلاغة الى الحد الذى يُعلم عجز الخلق عنه"[xxiv]. ويخلص إلى أنّ البديع(كلّ المباحث والفنون البلاغية)ليست من وجوه الاعجاز ،وأنه أمر مختص بالقرآن ولا يوجد في كلام البشر.               

ولقد ظل دَيدَان العلماء في القرون التسعة الاولى على نفس الطرح ،وإن كان منهم من يعدد وجوه الاعجاز إلى عشرة كما فعل القرطبي(ت648ه)،وإلى اثني عشر وجها عند الزركشي(ت794ه) وقد لخص  جلال الدين السيوطي(ت911ه)جهود من سبقه في كتابيه (الاتقان في علوم القرآن) و(معترك الاقرن في إعجاز القرآن) ذكر أنّ بعض العلماء أنهى وجوه الاعجاز إلى ثمانين"[xxv] وقد رأى العلامة أنّه لا نهاية لوجوه الاعجاز أخذا برأي السّكاكي في المفتاح.

2- وجوه الاعجاز عند المحدثين : لقد عرف القرن الرابع عشر الهجري –العشرون ميلادي-حركة بحث  في موضوع الاعجاز وإبراز وجوهه وألفوا فيه أسفارا قيّمة وكان الدافع الرد على تلك الهجمة الشرسة التي قادها المستشرقون وما يحملونه من أفكار وضعية متجلية في مذاهب اجتماعية واقتصادية ورأسمالية واشتراكية مشككة في الدور الايجابي للدين  ،بل تلفيق التهم والشبهات للقرآن العظيم ولهذا تشكلت عندهم مجموعة من الاتجاهات منها:

الاتجاه الاول :أصحاب النزعة العلميةلقد أهتم هؤلاء بوجوه الاعجاز  من الناحية العلمية ،وقد كان لهذه النزعة جذور في تاريخ الفكر الاسلامي  عند أبو حامد  الغزالي  والقاضي عياض، وابن رشد والامام فخر الدين الرازي ولكنها اشتدت في هذه الفترة  وهي محاولة للتوفيق بين القرآن والعلم  ،غير أن هناك منْ بالغ لحدِّ الاسراف وتحميل النص ما لا يحمله كطنطاوي جوهري في كتابيه(تفسير الجواهر-والقرآن والعلوم العصرية) ومنهم أيضا مهدي الاستامبولي(دين الغد: معجزات القرآن الكريم في العلم والسياسة الاجتماع). وفرقة  ثانية التزمت الاعتدال في الطرح ولم يستشهدوا الا بالمسلم به من المقررات العلمية  المتطابقة مع النصوص القرآني  كالشيخ الامام محمد عبده –رحمه الله-والشيخ محمد رشيد رضا (تفسير المنار)وكعلي فكري(القرآن ينبوع العلوم والعرفان)  وكالشيخ متولي الشعراوي (معجزة القرآن) بل هناك من المستشرقين منْ لزموا الاعتدال(موريس بوكاي)في كتابه(دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة).

الاتجاه الثاني :هناك من العلماء من اختار حصر وجوه الاعجاز  في عناوين رئيسية تنضوي تحتها معظم تلك الوجوه ،فجعلوها  ثلاثة أقسام على النحو التالي:

"*الاعجاز اللغوي (البياني).وهو الذي وقع من جهته التحدي بالقرآن جملة وتفصيلا.

*الاعجاز العلمي.

*الاعجاز التشريعي التهذيبي الاجتماعي"[xxvi].

                  

الاتجاه  الثالث أصحاب النزعة الادبية: يقصر الاعجاز على الجانب البياني من القرآن لأنه الوجه الذي يبرز فيه التحدي أما ما فيه من حقائق علمية وأخبار الامم السابقة وكل الغيبيات هي دلائل نبوة المصطفى وأنّ هذا الكتاب هو من عند الله عزّ وجلّ ،نذكر من هؤلاء مصطفى صادق الرافعي في كتابه(إعجاز القرآن) حيث يركّز على إعجاز القرآن بموسيقية آياته، والحس الروحي الذي يبعثه في نفس قارئه، وأمين الخولي في كثير من أعماله( البلاغة وعلم النفس-بحث البلاغة العربية وأثر الفلسفة فيها-التفسير معالم حياته ومنهجه اليوم) وهو ينتقد التفسير العلمي، وكذلك فعل الشيخ محمود شلتوت شيخ الازهر الاسبق –رحمه الله- ونعتقد أن موقفهم هذا المتشدد من أجل سدّ الباب أمام الغلاة، ونذكر محمد عبد الله الدراز في كتابه(النبأ العظيم) حيث يقول" لعمري لئن كانت للقرآن في بلاغة تعبيره معجزات، وفي أساليب ترتيبه معجزات، وفي نبوءاته الصادقة معجزات، وفي تشريعاته الخالدة معجزات، وفي كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية والكونية معجزات ومعجزات فلعمري أنه في ترتيب آيه على هذا الوجه، لهو معجزة المعجزات"[xxvii] والعالم الشهيد سيد قطب حيث يقول:" إن إعجاز القرآن أبعد مدى من إعجاز نظمه ومعانيه، وعجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله، وهو عجز كذلك عن إبداع منهج كمنهجه يحيط بما يحيط به"[xxviii] ونذكر عائشة عبد الرحمان في كتابها (الاعجاز البياني لقرآن ومسائل ابن الازرق) وهي تلخص قولها " وقصارى ما اطمأننت إليه في هذه المحاولة لفهم إعجاز القرآن الكريم، هو أنه ما من لفظ فيه أو حرف يمكن أن يقوم مقامه غيره ،بل ما من حركة أو نبرة لا تأخذ مكانها من ذلك البيان المعجز"[xxix].

الاتجاه الرابع :وهذا الوجهة ترى أن الاعجاز كامن في المعان السامية للقرآن وتشريعه الحكيم  والقيم الحضارية التي ينطوي عليها منهجه ،فالقرآن معجزة لما في رسالته من تعليمات عليا، وغايات نبيلة، وأغراض شريفة، وأهداف سامية. ومنْ قال بهذا الرأي يتساءل لو كان  إعجاز القرآن في فصاحته وبلاغته فحسب ؛كيف آمن به مِن غير العرب؟[xxx]

خاتمة: وكخلاصة لهذا البحث نختم بها  فنقول إنّ الإعجاز هو ترجمة حقيقية  لسمة القرآن الدائمة ،ومن إعجازه أنّ الحديث عنه لا ينتهي، ورغم  ما كُتب فيه قديما وحديثا ،سواء كانت جهود فردية أو جماعية (مؤسسات)فإنهم لم يصلوا فيه إلى ساحل .ولهذا وجدنا الدكتور فاضل السامرائي يقول: " إنّ أمر القرآن عجيب. يراه الاديب معجزا، ويراه اللغوي معجزا، ويراه أرباب القانون والتشريع معجزا، ويراه علماء الاقتصاد معجزا، ويراه المرَبُّون معجزا، ويراه علماء النفس والمعنيون بالدراسات النفسية معجزا، ويراه علماء الاجتماع معجزا، ويراه المصلحون معجزا، ويراه كل راسخ في علمه معجزا"[xxxi].بل وجدنا الدكتور أحمد رحماني في كتابه (نظريات الإعجاز القرآني)  يطلق على وجوه الإعجاز مصطلح نظرية ويدعو إلى مفهوم تضافر أوجه الإعجاز من أجل الوصول إلى تكامل في فهم النص القرآني مستثمرة بذلك كل الخبرات والمواهب والقوانين العلمية في إطار نظرية المعرفة الاسلامية.

وصدق الله تعالى القائل في محكم تنزيله: ﴿ ألم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ﴾  البقرة.

 

 

الهوامش

[i] - الطاهر بن عاشور، التحرير و التنوير ،الدار التونسية للنشر،1984،ج/1،ص101.

[ii] -نعيم الحمصي ،فكرة اعجاز القرآن من البعثة النبوية الى عصرنا الحاضر ،مؤسسة الرسالة بيروت ، 1980،ط/2 ،ص7.

[iii] -الجوهري( اسماعيل بن حماد)، الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)، ت-أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، القاهرة، ط/1،1956،ج/3،ص883.

[iv] -الراغب الاصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، دار العلم،دمشق،2009،ط/4،ص547.

[v] -ابن فارس ،معجم مقاييس اللغة، ت عبد السلام هارون ،دار الفكر، ج/4،ص231.

[vi] -ابن منظور ،لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، ط/جديدة، ج/4،ص2816.

[vii] -زغلول راغب النجار، مدخل إلى دراسة الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، دارالمعرفة،لبنان،2009،ط/1،ص142-143.

[viii] -السيوطي ،الاتقان في علوم القرآن ،ت الفضل ابراهيم، المملكة العربية السعودية،،ج/4،ص3.

[ix] -ابن خلدون ،المقدمة ،ت محمد درويش ،دار يعرب،دمشق،2004،ط/1،ج/1،ص204.

-عالقاضي عبد الجبار، المغني في أبواب التوحيد والعدل ،ج/16،ص226.[x]

[xi] -الشريف الجرجاني- معجم التعريفات ،ت-المنشاوي، دار الفضيلة ،القاهرة ،مصر،ص30 رقم235،ص74 رقم683.

[xii] -مدخل الى دراسة الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية،ص142-143.

[xiii] -مناع القطان، مباحث في علوم القرآن ،مكتبة وهبة، القاهرة،،ص250.

[xiv] -محمد علي الصابوني ،البيان في علوم القرآن، دار الشهاب،ص89-90.

[xv] - مصطفى صادق الرافعي، إعجاز القرآن و البلاغة النبوية-تاريخ آداب العرب، دار الكتاب ط/2،ج/2،ص139.

[xvi] يوسف الحاج أحمد، موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة، مكتبة دار ابن حجر، دمشق 2003،ط/2،ص18.

[xvii] -نعيم الحمصي ،فكرة إعجاز القرآن من البعثة النبوية الى عصرنا الحاضر ،مؤسسة الرسالة لبنان،1980،ط/2،ص17.

[xviii] -ابي بكر محمد بن الطيب الباقلاني، إعجاز القرآن ،ت محمد صقر ،دار المعارف ،ط/1 ص14.15.

[xix] -محمد ابو زهرة، المعجزة الكبرى القرآن، دار الفكر العربي،مصر،1998،ص81.

[xx] -الجاحظ، رسائل الجاحظ، ت عبد السلام هارون ،فصل من كتابه في خلق القرآن ،مكتبة الخنانجي،مصر،1979،ط /1،ج /3،ص287.

[xxi] -الجاحظ، كتاب الحيوان ،ت-عبد السلام هارون ،مكتبة مصطفى الحلبي، مصر،1966 ط/2،ج/4،ص79.

[xxii] - للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني ،ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ،ت زغلول سلام ،دار المعارف ،القاهرة ،ط/3،ص27.

[xxiii] - ابراهيم بن منصور التركي،القول بالصفة في القرآن الكريم ،مجلة أم القرى لعلوم اللغات وآدابها، العربية السعودية،العدد الثاني،رجب1430ه/2009،ص167.

[xxiv] -الباقلاني ،إعجاز القرآن، ت –أحمد صقر ،دار المعارف ،مصر ،ص33-35.

[xxv] -السيوطي ،معترك الاقران في اعجاز القرآن، دار الكتب العلمية ،لبنان، 1988،ط ،/1 ، مج/1،ص5.

[xxvi] -عبد الله الدراز ،النبأ العظيم ،دار القلم،الكويت،ص79

[xxvii] -نفس المرجع ،ص211.

-السيد قطب ،في ظلال القرآن، دار الشروق، مصر، ط/32،2003م،مج/4،ص2250.[xxviii]

[xxix] -عائشة عبد الرحمان بنت الشاطئ ،الاعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الازرق ،دار المعارف القاهرة ط/3،ص286.

-د غانم قدوري الحمد،محاضرات في علوم القرآن،دار عمار،عمّان،ط/1،  2003 ،ص250.[xxx]

[xxxi] - د-فاضل صالح السامرائي، التعبير القرآني ،دار عامر ،عمان، ط/4،2006ص20.

Back to top